المزارعون يتخلون عن زراعة القمح -- Nov 05 , 2025 17
خلصت دراسة أجراها عدد من الباحثين في مركز الاستشعار عن بُعد في المجلس الوطني للبحوث العلمية «CNRS»، إلى انكماش في زراعة القمح في لبنان يظهر بوضوح في تقلّص عدد الحقول المزروعة بنسبة 26%، والمساحات الزراعية المستثمرة بنسبة 53.4%. فقد رصدت الدراسة، باستخدام صور الأقمار الصناعية للحقول الزراعية، التغيرات في أنماط زراعة القمح بين 2016 و2024، وتبيّن أنّ عدد الحقول المزروعة بالقمح تدنّى من 15 ألفاً و691 حقلاً في 2016 إلى 11 ألفاً و638 حقلاً في 2024، بالإضافة إلى تراجع في مساحات الحقول من 248 كيلومتراً مربعاً إلى 200 كيلومتر مربع.
هذا التغيّر دفع معدّي الدراسة إلى إطلاق صفة «المتقلّبة» على زراعة القمح في لبنان. فقد وصلت إلى ذروتها في 2019 وارتفع عدد الحقول المزروعة إلى 21 ألف حقل بمساحة إجمالية بلغت 366 كيلومتراً مربعاً. وبعدها، بدأت مرحلة التراجع في أعداد الحقول والمساحات. وتعيد الدراسة السبب في هذه التراجعات إلى أثر جائحة كورونا والانهيار المصرفي والنقدي اللذين تزامنا في 2019. أما التراجع الثاني الذي شهدته الزراعة بين عامي 2023 و2024، فيعيده معدّو الدراسة إلى تأثيرات الاعتداءات الإسرائيلية على المناطق الجنوبية، والتي أدّت إلى انحسار زراعة القمح أيضاً.
في الواقع، هناك سبب إضافي مرتبط بتوقف دعم الدولة لهذه الزراعة، والذي كان له الأثر الأكبر على تدهور زراعة القمح، إذ توقفت وزارة الاقتصاد بعد الانهيار المصرفي والنقدي عام 2019 عن شراء المحصول من المزارعين، والذي كانت تقوم ببيع «القمح الطري» منه للمطاحن لتحويله إلى طحين للأفران، وتبديل «القمح القاسي» بالنوعية المناسبة لصناعة الخبز. لذا تقلصت المساحات المزروعة بالقمح في سنة واحدة، من عام 2019 إلى 2020، بنسبة 44.4%، من 366 كيلومتراً مربعاً إلى 203 كيلومترات مربعة، كما انخفضت الحقول المزروعة مباشرةً من 21 ألف حقل إلى 12 ألف حقل.
وفي السنوات اللاحقة أظهرت الدراسة بداية تحوّلٍ في الحقول الزراعية من استثمارها لزراعة القمح إلى محاصيل أخرى. ورغم التقلبات في عدد الحقول المزروعة بالقمح والمساحات المستغلة، إلا أنّ مزارعي القمح لم يتمكنوا على مدى 5 سنوات اعتباراً من 2020، من الوصول إلى المساحة المزروعة بالقمح في 2019 نفسها.
ففي عام 2021 ارتفع عدد الحقول المزروعة بالقمح من 12 ألف حقل لحوالى 17 ألف حقل، وزادت مساحتها إلى 283 كيلومتراً مربعاً. لكن في عام 2022، انخفض عدد الحقول المزروعة إلى 15 ألف حقل، وتراجعت المساحة المزروعة لتصل إلى 263 كيلومتراً مربعاً. واستمرّ هذا النمط «المتقلّب» على مدى الأعوام التالية وصولاً إلى عام 2024.
وفي عام 2025 زادت حدّة التراجع في زراعة القمح، إذ بلغ إجمالي المحصول 94 ألف طن فقط، وفقاً لأرقام منظمة «فاو»، والتي أشارت إلى تراجع نسبته 25% عن المعدّل العام لإنتاج القمح في لبنان الذي يبلغ 141 ألف طن سنوياً.
وأعادت «فاو» التراجع في الإنتاج لأسباب اقتصادية ومالية وطبيعية، منها تراجع كميّات الأمطار، وكلفة شراء البذور والمبيدات والأسمدة. وهو ما أدّى إلى تراجع عام في كلّ محصول الحبوب في لبنان، من قمح وذرة وشعير، بنسبة 50%، وفقاً لـ«الفاو»، إذ انخفضت الكميّات المنتجة في لبنان من 175 ألف طن سنوياً إلى 93 ألف طن عام 2025.
وبسبب هذا التراجع في الإنتاج المحلّي من القمح، ارتفعت الكميّات المستوردة من هذه السلعة بنسبة 8% بحسب تقديرات «فاو»، علماً بأن لبنان يستورد سنوياً نحو 613 ألف طن من القمح بسعر وسطي يبلغ 153 مليون دولار، وفقاً لأرقام الجمارك. كذلك تشير إحصاءات الجمارك إلى أنّ متوسط استيراد لبنان من القمح شهرياً بلغ 31.3 ألف طن في 2025، بكلفة 263 دولاراً للطن الواحد.
كما وجدت الدراسة أنّ هذه «الزراعة الاستراتيجية» على مستوى تأمين المواد الغذائية الأساسيّة، مثل الطحين والخبز، غير مستقرة على مستوى الكميات المنتجة سنوياً والمساحات المزروعة، فضلاً عن رصد التأثير السلبي للأزمة المصرفية والنقدية عليها.
فؤاد بزي - الاخبار